مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
+5
rasha
sam
sana
narjas
admin
9 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
بالأمس كنت أرى بيت والدي شامخا شموخ صاحبه , أشعة الشمس تنعكس عليه فيبدو كأنه قصر عتيد شيّدته أيادي فاقت قدرتها قدرة الإنسان , أو هيكل مقدس حملته المردة من عالم بعيد , و النور يشع من أركانه و زواياه , ليجعل روحي تهفو إلى قمة السعادة ؛ سعادة شغلني الاستمتاع بها على أن أجهد نفسي في تحديد مصدرها .
كنت ألمس مسحة من الرقي و الرومانسية في هندسته و ألوانه . و كان أثيره يملأ أحاسيسي بقدسية عجيبة تجعل نفسي تشعر بالهدوء و السكينة . و كانت الفضاءات المحيطة تأسرني , فأصبح عاجزا عن فراقه أو حتى التفكير في الابتعاد عنه.
له هالة من الجلال حولت كنهه من جماد صامت إلى كتلة من الحياة , و قممه تنثر الآمان في كل نفس يشرأب عنقها إلى الأعالي ....
و ترى الرياح و هي تمر , محملة بنسيم عليل ينعش الروح , قارعة دفات نوافذه لتعزف ألحانا , تخرق المسامع و تطرب الوجدان , و تحتك بأعالي الحيطان فتغني أناشيد الخلد , و تذكر الفؤاد بقصص خلت مع الزمان , وحملت في ثناياها وصايا الأمناء من كل الأحقاب . و سجلها قلم الملكوت على هوامش الأيام .
أما اليوم و قد غاب نجم صاحبه , فأصبحت أرى زواياه مظلمة و راياته منكسة , و صارت الفضاءات فيه خانقة . و انعكاس أشعة الشمس صار إلى الداخل لكي يضفي على المكان ظلمة أكثر .
و صار الحزن يملأ كل الممرات , و التعاسة متجلية في كل مظهر من مظاهر الحياة هناك . حتى القرميد الأحمر الجميل فقد بريقه و تحلل من لونه , و شكواه ما فتئت بادية للعيان. وصوت الرياح أصبح مخيفا , يبعث في النفس الوحشة و الغثيان . و الأشجار داكنة اللون مطأطئة الأغصان , معلنة أبدية الحداد. ...
حينها قررت الانسحاب في هدوءٍ , و سرتُ متثاقل الخطى . باكٍ على الأطلال , فالقلب لم يعد قادرا على تحمل البقاء . و أعلنتْ شمس وجداني غروبها , و أجبرت الليل على أن يرُخي ظلامه على فؤادي و يسدل الستار ...
ذات مساءا جلست على الأريكة في غرفة الضيوف التمس بعض من الراحة بعد جهد شاق , وقع بصري على الحائط , فواجهتني لوحاتان متقابلاتان , و سرح خيالي مع محتواهما و عادت بي الذاكرة إلى ذلك اليوم , لما أفلتُ راجعا و أنا في طريقي إلى البيت , كان ذلك في صيف 1987, حيث لفت انتباهي في أحد المحلات صورة للوحة زيتية , كانت لطفل في العقد الأول من عمره, دموعه نازلة على خدوده , و هو في حالة من الدهشة متأملا ...
أعجبتني اللوحة كثيرا و سحرتني ألوانها , و شدني الطفل الباكي الحزين , فاشتريتها دون أن أسأل عن من رسمها . و ما إن وطأت قدمي خارج الباب و أنا أهم بمغادرة المكان حتى سمعت صاحب المحل يناديني , فألتفت إليه متجاوبا , و إذا بيده صورة للوحة مرسوم فيها بنت في نفس عقد الطفل دموعها نازلة و وجهها مليئا بالحسرة و الألم , و اللوحة تحمل نفس المواصفات , من ألوان و أبعاد .
أشار إليّ بيده مخاطبا : يا سيدي لماذا لا تأخذ هذه اللوحة الأخرى ؟ فإني أعتقد أنهما لوحتان توأمان و وُجدوهما على أي حائط في أي بيت يعطيه جمالا اكبر ...
و كأنّ جوهر إنسانيته أوحى له بأن لبعض الأرواح توائم انفصلت عنها لما نزلت إلى الأرض في رحلتها مع الجسد , و هما دائمي البحث عن بعضهما , و ربما الدموع التي على اللوحات هي إشارة لافتقاد كل روح لتوأمها ...
فتبسمت و أخذتها منه , لكنه رفض أن يأخذ ثمنها , متحججا بكوني لأول مرة أدخل محله و اقتني من عنده أشياء , فشكرته جزيل الشكر , و ضممت اللوحة إلى الأخرى و خرجت مسرعا .
و من يومها لم تفارق اللوحتان حائط بيتنا , و صارتا جزءا منه . و كل شخص يأتي إلى زيارتنا تجذباه و لا يستطيع أن يغادر البيت قبل أن يحدق فيهما جيد , و يحاول استقراء سر الدموع التي كانت تنزل على الخدود في تناسق و تجانس , أو يجتهد في قراءة العيون البريئة التي تحاول أن تأسر المشاهد و تحتويه . فسرعان ما وجهه ينقبض و كأن الدموع دموعه و الوجه وجهه . فكثير من الناس في حاجة للبكاء و الرثاء لكنهم يتمنعون, ربما لأنهم لا يدركون السبب , أو لأنهم عاجزون عن فعل ذلك . فلا شك أنّ من الإنسان من له الشفافية ليرى عبر جزيئات الفضاء , و يحس الثقل يعبر الأثير فيجعل الصدر ضيقا عاجزا عن تنفس الهواء , فتنحصر الدمعة و يُشدّ على القلب فيركن مع الزمن إلى التحمل فيصير كالحجارة أو اشد قسوة ...
التصقت لوحة الطفل بروحي التصاقا عجيبا , و من خلالها صرت أرى نفسي . ربما لأني لاشعوريا أحسها تبكي مكاني , بعدما تجمدت قنوات الدموع في عيني . فمنذ أن فقدت القدرة على البكاء , و انطوت أحاسيسي إلى الداخل , قاطعت حياة الناس , و سرت في ملكوت ذاتي فاتحا لنفسي من الدفء و الحنين فضاءات , أغنتني عن العيش مع هؤلاء ...
أو ربما لأن صوت البراءة المدفون في أعماقي تجلّي في صورة هذا الطفل الوديع , فحول اللوحة إلى متنفس للراحة و مَعبر للنور و الحياة...
أمّا لوحة الطفلة فكانت تشعرني بنوع من الاغتراب عن مادية الحياة , فكلما تأملت فيها أخذتني إلى بعيد , و فتحت فؤادي عن عوالم من المعاني الجديدة , إذ تحولت إلى فتحة نور من خلالها أدركت ظلمة الفضاء المحيط , و عتمة الطرقات المؤدية إلى عوالم الملكوت . و كأنّ الأقدار ساقت هذه اللوحة لتكون دليلا على توأم الروح الذي كانت الأرض لاستقباله تتزين.
و لم يقطع خلوتي مع اللوحات إلاّ دخول والدتي بإبريق القهوة , حيث جلست جانبي تسألني كعادتها عن أحوالي , و تحاول أن تحسسني بوجودها جنبي و قربها مني . و كانت كلماتها رغم بساطتها تشعرني بالسعادة و الآمان , و تبعث فيّ روح المثابرة والاستمرار , برغم ما يحمله الفؤاد من المشاق و الآلام . كان وجودها جنبي بمثابة الروح التي تسيّر كياني و تحرك وجداني , وهي تنثر معاني الحياة و الإجلال , بكل عفوية و استرسال ,كأنها ملاك من أملاك الرحمان ......
إلى اللقاء في الحلقة القادمة
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
فارس ما أعظم كتاباتك و كأنك تستقرأ بواطن النفوس
مع كل حلقة تشوقنا للمزيد أعانك الله وحفظك من كل سوء
ننتظر المزيد بفارغ الصبر فلا تتأخر علينا
مع كل حلقة تشوقنا للمزيد أعانك الله وحفظك من كل سوء
ننتظر المزيد بفارغ الصبر فلا تتأخر علينا
narjas- عضو تميزي فضي
- عدد الرسائل : 2896
تاريخ التسجيل : 22/08/2007
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
رائع ٌ ذا القيثار
من أين َ جئت َ بذي الأشعار
من قلب ِ راحل ٍ أم من خيال موسيقار ْ ؟
مامن كلام ٍ تصوغه يمناي ، أخشى تشويه لوحة الفنان
بوركت َ من حس شاعر ونبع زخّار
تقبّل عبوري ووضيع حضوري
على ورقتك الثمينة ؛ وحلّة ِ صفحتك الأنيقة
بوركت َ يا وحي القوافي وبحر الأشعار
تحيّاتي العاطرة لروحك الشاعرة فارس انحنى لعذوبت قلمك وحس ما بداخلك من مشاعر
دافئة رقيق ادامك الله بنتظار الأتى
من أين َ جئت َ بذي الأشعار
من قلب ِ راحل ٍ أم من خيال موسيقار ْ ؟
مامن كلام ٍ تصوغه يمناي ، أخشى تشويه لوحة الفنان
بوركت َ من حس شاعر ونبع زخّار
تقبّل عبوري ووضيع حضوري
على ورقتك الثمينة ؛ وحلّة ِ صفحتك الأنيقة
بوركت َ يا وحي القوافي وبحر الأشعار
تحيّاتي العاطرة لروحك الشاعرة فارس انحنى لعذوبت قلمك وحس ما بداخلك من مشاعر
دافئة رقيق ادامك الله بنتظار الأتى
sana- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 303
تاريخ التسجيل : 28/11/2008
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
basma كتب:فارس ما أعظم كتاباتك و كأنك تستقرأ بواطن النفوس
مع كل حلقة تشوقنا للمزيد أعانك الله وحفظك من كل سوء
ننتظر المزيد بفارغ الصبر فلا تتأخر علينا
مشكورة بسمة على الحضور و التعليق الجميل و المتابعة
تحياتي
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
sana كتب:رائع ٌ ذا القيثار
من أين َ جئت َ بذي الأشعار
من قلب ِ راحل ٍ أم من خيال موسيقار ْ ؟
مامن كلام ٍ تصوغه يمناي ، أخشى تشويه لوحة الفنان
بوركت َ من حس شاعر ونبع زخّار
تقبّل عبوري ووضيع حضوري
على ورقتك الثمينة ؛ وحلّة ِ صفحتك الأنيقة
بوركت َ يا وحي القوافي وبحر الأشعار
تحيّاتي العاطرة لروحك الشاعرة فارس انحنى لعذوبت قلمك وحس ما بداخلك من مشاعر
دافئة رقيق ادامك الله بنتظار الأتى
مشكورة سنا على المرور الكريم و التعليق الرائع
كلماتك رائعة
تحياتي
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
يا لروعة حروفك اعجبتني وجعلتني اقف عند كل حرف واعيد قرأته ما اروع كلماتك بحزنها
اتمنى من الله ان يزل كل الحزن عنك ويفرح قلبك بما تتمنا مذكرات رائعة فارس إلى الأمام
اتمنى من الله ان يزل كل الحزن عنك ويفرح قلبك بما تتمنا مذكرات رائعة فارس إلى الأمام
sam- عضو تميزي ذهبي
- عدد الرسائل : 3653
تاريخ التسجيل : 22/11/2007
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
اقف اجلال واحترام لروعة همساتك ولرقة عبارتك
رسمت لنا لوحة جميلة من كلمات
فاقت كل شئ فارس قلمك ويداك جوهرة غالية الثمن
ننتظر الباقي
رسمت لنا لوحة جميلة من كلمات
فاقت كل شئ فارس قلمك ويداك جوهرة غالية الثمن
ننتظر الباقي
rasha- عضو تميزي ذهبي
- عدد الرسائل : 3035
تاريخ التسجيل : 22/02/2008
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
املنا -في المرة القادمة- ان نقرا رفرفة طيور الافراح
بعد ان تكون قد برات منك الجراح
كم رقيقه وعذبه هذه الكلمات
وكم لها وقعها في القلب
ابداع وروعه مابعدها روعه فارس والله بشوق للأتى
بعد ان تكون قد برات منك الجراح
كم رقيقه وعذبه هذه الكلمات
وكم لها وقعها في القلب
ابداع وروعه مابعدها روعه فارس والله بشوق للأتى
مايا- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 155
تاريخ التسجيل : 21/11/2008
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
سكون يملأ المكان وعبرة تخنق الآلآم
صمود أمام الأحزان وهم يصحبه الظلام
إلى متى الهروب والكتمان
إلى متى الصمود والحرمان
أيامنا تحكي وتنوح
وقلوبنا تأبى الجروح
عاشق الهوى يتمنى الإفصاح
يصرخ من الأعماق كي يرتاح
وعاد السكون يملأ المكان
ويصرخ الوجدان
ان ضمدوا الجـــــــــراح
عندما اردت ان اكتب عجز قلمي فارس
لورعة قلمك وقال لي دعينا ننتظر الأتي لنرد بما يليق
لقمك الرائع
صمود أمام الأحزان وهم يصحبه الظلام
إلى متى الهروب والكتمان
إلى متى الصمود والحرمان
أيامنا تحكي وتنوح
وقلوبنا تأبى الجروح
عاشق الهوى يتمنى الإفصاح
يصرخ من الأعماق كي يرتاح
وعاد السكون يملأ المكان
ويصرخ الوجدان
ان ضمدوا الجـــــــــراح
عندما اردت ان اكتب عجز قلمي فارس
لورعة قلمك وقال لي دعينا ننتظر الأتي لنرد بما يليق
لقمك الرائع
mare elena- عضو تميزي ذهبي
- عدد الرسائل : 3059
تاريخ التسجيل : 22/02/2008
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
رائعة بكل ما تحمل من معنى
عند قراءتي لكل حلقة.. ازداد شوقا لمعرفة النهاية
تسلسلك بسرد القصة فيه ابداع كاتب مرموق
تحية وتقدير لك فارس
بانتظار الحلقات القادمة منها ...
عند قراءتي لكل حلقة.. ازداد شوقا لمعرفة النهاية
تسلسلك بسرد القصة فيه ابداع كاتب مرموق
تحية وتقدير لك فارس
بانتظار الحلقات القادمة منها ...
زائر- زائر
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
سام , رشا , مايا, ماري الينا و بنت البلد شكرا جزيلا على المرور و التعلقات الرائعة و المتابعة
احترامي
احترامي
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
بعد إذن ماروو
فارس وصفك فاق كل شئ عجزت عن رد قلمي يأبه الكتابة
لأن لن يعطيك حقك عليي لأنتظار
بنتظار الباقي
فارس وصفك فاق كل شئ عجزت عن رد قلمي يأبه الكتابة
لأن لن يعطيك حقك عليي لأنتظار
بنتظار الباقي
حسن- عضو محترف
- عدد الرسائل : 807
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
كلماااتك
بلسم يشفي الجراح
و حروفك طيور تنشد
لحن الود في المساء و الصباح
دمت نبراسا للامل
كنت رائع
كروعة قلبك
وكصفاء
روحك
سلمت يداااااااك فارس بنتظار الباقي
بلسم يشفي الجراح
و حروفك طيور تنشد
لحن الود في المساء و الصباح
دمت نبراسا للامل
كنت رائع
كروعة قلبك
وكصفاء
روحك
سلمت يداااااااك فارس بنتظار الباقي
dano- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 332
تاريخ التسجيل : 05/01/2008
رد: مذكرات شاهد على الزمن (الحلقة الخامسة)
حسن كتب:بعد إذن ماروو
فارس وصفك فاق كل شئ عجزت عن رد قلمي يأبه الكتابة
لأن لن يعطيك حقك عليي لأنتظار
بنتظار الباقي
شكرا حن على مرورك و تعليقك
دمت لنا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى