فيلم "حسن ومرقص"

يرى الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق أن الإسلام لا يعادي الفن النبيل الهادف الذي ليس فيه أي معصية أو مخالفة شرعية، ولكنه في الوقت نفسه يمنع السماح بانتهاك حرمات المساجد التي هي بيوت الله في الأرض، إذ وصفها سبحانه بقوله: "وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً " أية 18 سورة الجن. ونحن في الشرع نقيس الحكم على أي قضية حسب أهميتها وأولوياتها ومدى اتفاقها مع قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، فهل هناك ضرورة قصوى تبيح الاعتداء على حرمة المساجد بالتصوير السينمائي فيها؟ بينما يمكن الاستعاضة عن ذلك ببناء ستديوهات أو استئجارها وعمل ديكورات تؤدي الغرض المطلوب، فهذا يؤدي إلى الابتعاد عن المساجد أو حتى مجرد شبهة الاعتداء على قدسيتها أو التشويش على المصلين أو دخول فئات يحظر دخولها إلى المساجد ولو للحظة، ولهذا فالأولى الابتعاد عن التصوير في المسجد خصوصاً أن ما يتم تصويره ليس قضية دينية خالصة.

وتؤكد الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر أن مجاملة للفنان عادل إمام غلبت على قرار وزير الأوقاف بدليل أن الوزير نفسه هو الذي أيد بشدة قانون منع المظاهرات في المساجد للحفاظ على قدسيتها أليس الأولى أن نمنع التصوير السينمائي فيها وخصوصاً أن المخالفات ستكون مؤكدة من حيث الكلام الذي لا يتوافق مع الشرع ولو همساً لأنه من المفروض أن من يدخل المسجد يلتزم بالذكر لله وعدم الحديث بأي كلام يخالف ذلك وهذا ما وضحه القرآن الكريم في قوله تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب " الآيات 36 – 38 سورة النور. والمتأمل لهذه الآيات سيجد الأغراض التي سمح الله فيها للناس بالدخول والبقاء بالمساجد وهذا لا يتوافر بلا شك في التصوير السينمائي الذي يتلفظ بعض العاملين فيه ولو من العمال بألفاظ مخالفة للشرع، فضلاً عن أن بعض الأدوار قد تتطلب أقوالاً أو أفعالاً لا ترضي الله فكيف ننفذها في بيته ليكون ذلك مخالفة شرعية، ولهذا فإن الأولى الابتعاد بالمساجد عن هذه الأمور حتى لا نبرر مخالفات لشرع الله وفي بيوته.

وتوضح الدكتورة آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية أن التصوير في حد ذاته ليس حراماً كما يزعم بعض العلماء وإنما المشكلة في المضمون أو ما يتم تصويره وإذا تأملنا ما سيتم خلال تصوير فيلم سينمائي أظن أنه لا يمكن لأحد أن يجزم أنه لن ترتكب مخالفة شرعية واحدة من كل الموجودين في المسجد الذين قد يكون بينهم غير المسلم أو سيدة متبرجة أو اختلاط بين الجنسين ولو بالملامسة أو إنسان غير متوضئ لأنه يفضل لمن يدخل المسجد أن يكون متوضئاً ولا يتحدث في غير ذكر الله، فإذا تم تجنب المحظورات الشرعية تماماً وأن يكون التصوير لمدة قصيرة وليس أياماً أو شهوراً ويستطيع أحد التحكم في سلوكيات كل الموجودين فأظن أن هذا قد يكون مسموحاً به شرعاً، خصوصاً إذا كان الهدف من ذلك دعوى نبيلة وليس مجرد التصوير فحسب.

ويرى الدكتور أحمد حسني عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر أنه إذا كان التصوير لمجرد مشهد أو مشهدين فقط في وقت قصير للغاية كما كان يحدث قديماً في تصوير مشاهد اعتراف بعض التائبين لشيخ المسجد بأمر ما في مشهد واحد فمثل هذا إذا تم دون أي مخالفة شرعية فلا مانع شرعاً أما أن يتم تحويل المسجد إلى ستديو والاعتداء على حرمته وحق المصلين في أداء العبادة من الصلاة والذكر لله دون تشويش أو بلبلة فهذا محظور شرعاً ويجب منعه لأنه اعتداء على حرمة وقدسية المسجد الذي جعله الله لمن يعمرونه بالذكر وليس بالتصوير فقال سبحانه "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين" آية 18 سورة التوبة، فهل نستطيع أن نعتبر أسرة فيلم "حسن ومرقص" ابتداء من الممثل إلى المخرج والفنيين وحاملي الكاميرات بل وعمال الاستديو والديكور من "عُمار المساجد" الذين ذكر الله صفاتهم في الآية السابقة. بالتأكيد لا، ولهذا فإنه لا تصلح المجاملة بأن تحول المساجد إلى ستديوهات، خصوصاً أنه ليست هناك ضرورة ملحة سينجم عنها ضرر بالإسلام والمسلمين وإنما يمكن أن يتم هذاالتصوير في أي مكان يتم إعداده لذلك بعيداً عن مساجد الله التي يجب ألا تكون مجالاً لأي شيء غير العبادة وذكر الله.

ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون إلى أهمية المحافظة على المساجد التي وردت بعض الأحاديث أن الكلام فيها بغير ذكر الله يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فهل كل ما يفعله أو يقوله الداخلون للمسجد بغرض التصوير سيقولون أو يفعلون ما يرضي الله فقط أم أن طبيعة عملهم ستؤدي بهم إلى المخالفات الشرعية والقاعدة الشرعية )درء المفاسد مقدم على جلب المصالح(، ولهذا فنحن هنا نمنع المخالفات الشرعية قبل حدوثها أما إذا تساهلنا وسمحنا لكل من هب ودب بأن ينتهك حرمة وقدسية المسجد بالتصوير فيه أو تنفيذ ما يريده فنحن هنا تحولنا من "عُمار للمساجد" إلى من يسمحون بتخريبها وقد توعد الله من يسعون في خراب المساجد أو من يعتدي على قدسيتها بقوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم( آية 114 سورة البقرة).

واحتدم الجدل داخل مجلس الشعب المصري حيث تقدم العديد من الأعضاء بطلبات إحاطة وأهمها ما قاله النائب محمد العمدة في طلبه حيث أكد أن قرار وزير الأوقاف خاطئ تماماً وغلبت عليه المجاملة دون الالتفات إلى الحرمة الشرعية ومراعاة قدسية المساجد التي أرادت الشركة المنتجة تحويلها إلى ستديوهات ما يعد اعتداء صارخاً على حق المصلين والمتعبدين وفي نفس الوقت توفيراً كبيراً للشركة التي لن تجد عرضاً مغرياً أكثر من ذلك. وأيده في الاتجاه نفسه عضو مجلس الشعب المصري عمران مجاهد الذي تقدم هو الآخر بطلب إحاطة اتهم فيه وزير الأوقاف بمجاملة عادل إمام وأهل الفن عموماً حتى لا يقال عنه إنه عدو للفن والفنانين.

أما الفنان الكبير عادل إمام الذي أثار فيلمه تلك الأزمة فرفض التعليق على تلك الأراء مؤكداً فقط أن فيها نوعاً من التعجل في الحكم على الفيلم وتحديداً ما تم تصويره داخل المساجد ولكنه يؤمن برسالة الفن ورسالة فيلمه ولذلك فمثل هذه الأراء لن ترهبه خاصة وإنها ليست أول مرة يواجه فيها مثل هذه الانتقادات والاتهامات.